لغة القالب

حفظ القرآن ومراحل جمعه وتدوينه - 3 | تابع المبحث (3)

دروس علوم القرآن

تابع المبحث الثالث:
حفظ القرآن ومراحل جمعه وتدوينه (3)

وأما ثالث جمع للقرآن؛ فكان في عهد عثمان "رضي الله عنه":

    وكان عبارة عن نقل ما في الصحف السابقة إلى مصحفٍ واحدٍ، بمنهجية خاصة سنذكرها بعد قليل، وهو المصحف الذي نُسخت منه بقية المصاحف التي أرسلت إلى الأقطار الإسلامية. 

وسبب جمع عثمان "رضي الله عنه" للقرآن الكريم:

    هو اتساع الفتوحات الإسلامية في عهده، وبسببها تفرق القراء في الأمصار والمدن، وكان كل منهم يُقرئ الناس بما معه من أوجه القراءات؛ فكان الناس إذا جمعهم مجلس أو موطن أو غزوة، وسمع بعضهم قراءة الآخر؛ عجبوا منها لعدم علمهم بالوجه الذي يقرأ به، وكذلك بسبب دخول العجم في دين الإسلام وفُشُو اللحن في قراءة القرآن لاختلاف اللهجات، وبدأ الخلاف يحدث بين المسلمين؛ فأسرع "حذيفة بن اليمان" إلى "عثمان" "رضي الله عنهما" ليخبره بما حدث؛ حتى يدرك الأمة قبل أن تختلف في القرآن اختلاف اليهود والنصارى في كتبهم.

     وفي ذلك يروي لنا البخاري في صحيحه عن "أنس بن مالك" قال: ((إن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزعَ حذيفةَ اختلافُهم في القرآن، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى!؛ فأرسل عثمان إلى حفصة "رضي الله عنها": أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك؛ فأرسلت بها حفصة إلى عثمان ...)).


منهجية الجمع الثالث:

    عندما أَرسلت حفصة الصحف إلى عثمان "رضي الله عنهما"؛ ((أمر زيدَ بن ثابت، وعبدَ الله بن الزبير، وسعيدَ بن العاص، وعبدَ الرحمن بن الحارث بن هشام؛ فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن؛ فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم؛ ففعلوا)). [رواه البخاري] 

     وكان الهدف من ذلك: جمع القرآن في مصحف واحد يحوي رسمُهُ الأوجهَ السبعةَ التي أنزل عليها القرآن، ونَسخ عدة مصاحف منه وإرسالها إلى الأقطار الإسلامية، وكانوا إذا وجدوا لفظًا له عدة أوجه ولا يمكن رسمه في الخط محتملاً لها جميعًا؛ كتبوه في نسخة برسم يوافق بعض الوجوه، وفي نسخة أخرى برسم يوافق الوجه الآخر. 
[انظر "دراسات في علوم القرآن" للدكتور/ محمد بكر إسماعيل]
((حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف؛ رد عثمان الصحف إلى حفصة؛ فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق)). [رواه البخاري]

     * وكان هذا العمل الجليل موضع الرضا من أصحاب الرسول "صلى الله عليه وسلم"، قُرت به أعينهم، وطابت به نفوسهم، وأجمعوا على قبوله، وهو من أجَلّ الأعمال التي قام بها الصحابة الكرام "رضي الله عنهم"، وهو لا يقل قدرًا عن الفتوحات والغزوات؛ فالاهتمام بكتاب الله تعالى وحماية الأمة من الاختلاف فيه، لا يقل عن حماية الأعراض والحرمات. 


خلاصة المبحث:

جمع القرآن نوعان: في الصدور، والسطور.
وجمعه في السطور مر بثلاث مراحل:
أولها: في عهد الرسول "صلى الله عليه وسلم" وهو عبارة عن كتابة الآيات وترتيبها ووضعها في مكانها الخاص من سورها، في صحف مفرقة من لخاف ورقاع.

وثانيها: في عهد أبي بكر الصديق "رضي الله عنه"، وهو عبارة عن جمع هذه الصحف والرقاع وكتابتها في صحف مرتبة ووضعها في مكان واحد؛ حفاظًا عليها بسبب موت كثير من الحفاظ في معركة اليمامة.

وثالثها: في عهد عثمان بن عفان "رضي الله عنه"، وهو عبارة عن جمع هذه الصحف وكتابتها في مصحف واحد برسم يشمل القراءات كلها للتيسير على الأمة؛ بسبب كثرة الفتوحات واختلاف الناس في أوجه القراءة.
******
    هذا ما تيسر جمعه في هذا المبحث، وأسأل الله تعالى أن يتقبله مني ومن قرائه، وإلى اللقاء في دروس جديدة إن شاء الله تعالى.

انتهى المبحث بفضل الله تعالى

انتقل - السابق
2/04/2019

من فضلك؛ اترك تعليقًا دعمًا للموقع وشكرًا جزيلاً

عدد المواضيع