حفظ القرآن ومراحل جمعه وتدوينه - 1 | المبحث (3)
المبحث الثالث:
حفظ القرآن ومراحل جمعه وتدوينه (1)
جَمْع القرآن نوعان:
1- جمع في الصدور.
2- وجمع في السطور.
* فأما جمعه في الصدور:
فقد تكفل الله بجمعه في صدر الرسول "صلى الله عليه وسلم"؛ فلا ينساه، وبتيسيره عليه للقراءة بعد حفظه كذلك؛ قال تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)} [سورة القيامة]، وقال تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰ} [سورة الأعلى: 6].
وقد كان أمين الوحي جبريل "عليه السلام" يدارس القرآن مع الرسول "صلى الله عليه وسلم" مرة في كل سنة؛ فقد ثبت عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ) [رواه البخاري]
أما في العام الذي توفي فيه الرسول "صلى الله عليه وسلم"؛ فقد دارسه مع جبريل "عليه السلام" مرتين؛ فعن أبي هريرة "رضي الله عنه" قال: (كان يعرض على النبي "صلى الله عليه وسلم" القرآن كل عام مرة؛ فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه} [رواه البخاري]
وقد تلقى الصحابة "رضي الله عنهم" القرآن من الرسول "صلى الله عليه وسلم"؛ فمنهم من حفظه كله عن ظهر قلب، ومنهم من حفظ بعضه، وقد يسر الله تعالى القرآن للذكر لعامة المؤمنين فقال: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (22)} [سورة القمر]
- (مُّدَّكِرٍ): أي طالب له.
وقد كان الرسول "صلي الله عليه وسلم" يسمع القرآن من الصحابة أيضًا؛ فعن عبد الله بن مسعود قال: (قال لي رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم" وهو على المنبر: ((اقرأْ عليّ))، قلتُ: أَقْرَأُ عليك وعليك أُنْزل؟! قال: ((إني أحبُّ أنْ أسمعَه من غيري))، فقرأتُ سورة النساء، حتى أتيتُ إلى هذه الآية:{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا}، قال: ((حَسْبُك الآن))؛ فالْتَفَتُّ إليه، فإذا عيناه تذرفان"). [حديث متفق عليه]
وكذلك تكفل الله بحفظ القرآن من التحريف والتبديل؛ قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [سورة الْحِجْر]
*****
* وأما جمعه كتابة في السطور؛ فقد مر بثلاث مراحل:
أولها: في عهد الرسول "صلى الله عليه وسلم":
وكان هذا الجمع عبارة عن كتابة الآيات وترتيبها ووضعها في مكانها الخاص من سورها؛ فكلما نزلت آية أو سورة كتبها الصحابة "رضي الله عنهم" بأمر وتوجيه من الرسول "صلى الله عليه وسلم"، وكانت صدورهم منشرحة للقرآن تمامًا حفظًا وكتابة، وتطبيقًا لأحكامه.
* وممن كانوا يكتبون القرآن - ويسمون (كُتَّاب الوحي)-:
(أبي بن كعب "رضي الله عنه": وهو أول من كتب الوحي، وأبو بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبو سفيان، ومعاوية بن أبي سفيان، وخالد بن الوليد، وزيد بن ثابت، والأرقم بن أبي الأرقم، وغيرهم كثير من الصحابة "رضي الله عنهم جميعًا").
وقد كانوا يكتبون القرآن على (العسيب): وهو جريد النخل، و(اللِّخَاف): وهي الحجارة الرقيقة، و(الرِّقاع): قد تكون من الجلد أو الورق أو غيرهما، و(عظام الأكتاف)، وغير ذلك.
ولكنهم لم يجمعوه في مصحف واحد؛ لأن الوحي كان ينزل على الرسول "صلى الله عليه وسلم" مفرقًا باستمرار؛ فلو جمعوه في مصحف واحد لكان الأمر شاقًا في ترتيبه كل مرة، وما أن نزلت آخر آية من القرآن حتى توفي الرسول "صلى الله عليه وسلم" والقرآن محفوظ في صدور الصحابة "رضي الله عنهم"، وفي سطور اللخاف والرقاع دون أن يُجمع في مصحف واحد. (والله أعلى وأعلم).
****
2/02/2019
من فضلك؛ اترك تعليقًا دعمًا للموقع وشكرًا جزيلاً