لغة القالب

نزول القرآن | المبحث (2)

دروس علوم القرآن

المبحث الثاني: نزول القرآن الكريم 

للقرآن الكريم ثلاث تنزلات:

فأول نزولٍ له:

كان من الله تعالى إلى اللوح المحفوظ، وكان هذا النزول (جملةً لا مُفرقًا)، ودليل ذلك قوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [سورة البروج: 21-22]، وكان هذا النزول في وقت وبطريقة لا يعلمهما إلا الله تعالى، ومن أطلعه الله على ذلك.

وكان نزول القرآن مرة ثانية (جملةً لا مُفرقًا):

من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، في ليلة واحدة لقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [سورة القدر:1]، وهذه الليلة توصف بأنها مباركة لقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ} [سورة الدخان: 3]، وهي من ليالي شهر رمضان لقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ} [سورة البقرة: 185]، وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس "رضي الله عنهما" قال: (فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا فجعل جبريل ينزل به على النبي "صلى الله عليه وسلم") [صححه الحاكم ووافقه الذهبي].

ونزل القرآن مرة ثالثة:

على قلب الرسول "صلى الله عليه وسلم"، بواسطة أمين الوحي جبريل "عليه السلام"، ولكن هذه المرة نزل (مفرقًا لا جملة)، وفي كل مرة ينزل فيها جبريل "عليه السلام" بالقرآن على الرسول "صلى الله عليه وسلم"؛ يكون بأمر من الله؛ فهو يسمعه من الله تعالى، ثم يُلقيه على النبي "صلى الله عليه وسلم" فيسمعه بأذنه ويعيه قلبُه، قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [النمل:6]، وقال تعالى: {وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي} [الأعراف: 203]
- (اجتبيتها): أي اخترعتها وألفتها.

وعن ابن مسعود "رضي الله عنه" أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال: (إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ لِلسَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا فَيُصْعَقُونَ؛ فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ جِبْرِيلُ حَتَّى إِذَا جَاءَهُمْ جِبْرِيلُ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالَ فَيَقُولُونَ يَا جِبْرِيلُ مَاذَا قَالَ رَبُّكَ فَيَقُولُ الْحَقَّ فَيَقُولُونَ الْحَقَّ الْحَقَّ) [رواه أبو داود، وصححه الألباني]

وقال ابن تيمية في الفتاوى: "فإن كونه -القرآن- مكتوبًا في اللوح المحفوظ، وفي صحف مطهرة بأيدي الملائكة لا ينافي أن يكون جبريل نزل به من الله، سواء كتبه الله قبل أن يرسل به جبريل أو بعد ذلك، وإذا كان قد أنزله مكتوبًا إلى بيت العزة جملة واحدة في ليلة القدر؛ فقد كتبه كله قبل أن ينزله .. ومن قال إن جبريل أخذ القرآن من الكتاب لم يسمعه من الله؛ كان هذا باطلا".

ودليل هذا التنزل الأخير قول الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [سورة الشعراء]
وكانت هذه المرحلة الأخيرة من التنزلات هي التي شع منها النور إلى العالم، ووصلت بها هداية الله تعالى إلى الخلق.

أسباب نزول القرآن مفرقًا على رسولنا الكريم:

كانت الكتب السماوية فيما سبق تنزل جملة واحدة على الرسل؛ فلما نزل القرآن مفرقًا على رسول الله محمد "صلى الله عليه وسلم"؛ اعترض المشركون؛ وقد أخبرنا الله تعالى بذلك في القرآن وبين أسبابه فقال سبحانه وتعالى:{وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً؛ كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا} [سورة الفرقان: 32]

* ويمكننا إجمال الأسباب فيما يلي:

1- التدرج في التشريع، وتربية الأمة الجديدة، وهذا ظاهر في آيات تحريم الخمر.

2- تثبيت قلب الرسول "صلى الله عليه وسلم" باستمرار مدة دعوته؛ فلو نزل جملة واحدة كان تثبيتًا واحدًا؛ قال الله تعالى: {كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا} [سورة الفرقان: 32].

3- الرد على شبهات وافتراءات المشركين، ومسايرة الأحداث المتغيرة؛ قال تعالى:{وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 33]

4- إثبات أن القرآن كلام الله تعالى، وليس من عند محمد "صلى الله عليه وسلم"، ومثال ذلك: قصة أبي لهب عندما نزل فيه قول الله تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} [سورة المسد]؛ وبالفعل ظل أبو لهب على كفره ، ولم يؤمن ولو نفاقًا ليُكَذب القرآن. 

وكذلك في حادثة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة؛ قال تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} وقد قالـوا، وكان يسعهم السكوت لتكذيب القرآن، ولكن هيهات.

5- تحدي العرب في فصاحتهم وبلاغتهم، وإثبات عجزهم على أن يأتوا بمثل هذا القرآن العظيم.

6- تيسير حفظ وقراءة القرآن على أمة لا تعرف القراءة ولا الكتابة؛ فهو ليس شعرًا يسهل عليهم حفظه، ولا نثرًا يشبه كلامهم؛ قال تعالى: {وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا} [سورة الإسراء: 106].

7- بيان الإعجاز التشريعي والبياني للقرآن؛ فمع نزوله مفرقًا في نحو ثلاث وعشرين سنة، وفي أوقات مختلفة وأحداث متنوعة؛ فقد رتب ترتيبًا عجبًا لا بتر فيه، ولا تناقض بين آياته وأحكامه؛ قال تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}[فصلت: 1].

انتهى المبحث الثاني
1/31/2019

من فضلك؛ اترك تعليقًا دعمًا للموقع وشكرًا جزيلاً

عدد المواضيع